تحية المسجد في أوقات النهي

السؤال: 

هل تصلى تحية المسجد في أوقات النهي؟ وهل تصلى والإمام يخطب علي المنبر  يوم الجمعة؟

الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد؛

فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم الداخل للمسجد بأن يصلي ركعتين قبل أن يجلس، فقال صلى الله عليه وسلم-فيما رواه البخاري ومسلم عن أبي قتادة الأنصاري-: "إذا دخل أحدكم المسجد فليصل ركعتين قبل أن يجلس". وقد ورد بصيغة النهي أيضاً بلفظ: " إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين".  وهذا أمر عام شامل للداخل للمسجد في كل الأوقات.

لكن عارض هذا العموم أحاديث النهي عن الصلاة في أوقات مخصوصة، منها: ما رواه البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( لا صلاة بعد الصبح حتى ترتفع الشمس، ولا صلاة بعد العصر حتى تغيب الشمس )).

فلأجل هذا التعارض اختلف أهل العلم، فمنهم من رأى أن الداخل إلى المسجد في أوقات النهي لا يصلي، بل يجلس؛ اعتباراً لعموم النهي، وهو قول الحنفية والمالكية. ومنهم من رأى أنه لا يجلس حتى يصلي ركعتين؛ اعتباراً لعموم الأمر بالتحية، وهو قول الشافعية والحنابلة.

والذي يظهر لي -والله أعلم- أنَّ الراجح هو عدم الجلوس حتى يصلي ركعتين، للقاعدة الأصولية: إذا تعارض عمومان خُصَّ أحدهما في بعض صوره، رُجِّح العام الذي لم يُخصّ. وقد خص عموم النهي بأحاديث كثيرة بخلاف الأمر بالتحية.

ومن أمثلة التخصيص الوارد على النهي عن الصلاة في أوقات النهي:

1- قضاء الفوائت؛ لما رواه البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك )). وهذا شامل لأوقات النهي باتفاق.

2- أداء ركعتي الطواف؛ لما رواه أبو داود والترمذي -وصححه- والنسائي عن جبير بن مطعم رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار )).

3- الصلاة لمن وُجِد في المسجد وقد أقيمت الصلاة وكان قد صلى قبلها؛ لما رواه أبو داود والترمذي والنسائي عن يزيد بن الأسود العامري رضي الله عنه قال: (( شهدت مع النبي صلى الله عليه وسلم حَجَّته، فصليت معه صلاة الصبح في مسجد الخيف، فلما قضى صلاته وانحرف إذا هو برجلين في أخرى القوم لم يصليا معه، فقال: علي بهما، فجيء بهما ترعد فرائصهما فقال: ما منعكما أن تصليا معنا؟ فقالا: يا رسول الله إنا كنا قد صلينا في رحالنا. قال: فلا تفعلا، إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم، فإنها لكم نافلة )). قال الترمذي: حديث حسن صحيح.

قال النووي: ((  النهي إنَّما هو عمَّا لا سبب له؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بعد العصر ركعتين قضاء سنة الظهر، فخَصَّ وقت النهى وصلى به ذات السبب، ولم يترك التحية في حال من الأحوال، بل أمر الذي دخل المسجد يوم الجمعة وهو يخطب فجلس أن يقوم فيركع ركعتين، مع أن الصلاة في حال الخطبة ممنوع منها إلا التحية، فلو كانت التحية تترك في حال من الأحوال لتركت الآن لأنه قعد، وهي مشروعة قبل القعود. ولأنه كان يجهل حكمها، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قطع خطبته وكلمه وأمره أن يصلي التحية، فلولا شدة الاهتمام بالتحية في جميع الأوقات لما اهتم عليه السلام هذا الاهتمام )).

والله أعلم.