السلام عليكم، ما هي الكتب المعتمدة في المذهب المالكي؟
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد؛
فلفضيلة مفتي عام ليبيا فضيلة الشيخ الصادق الغرياني جواب مفصل، أوضح فيه كتب المذهب المعتمدة، أوردها بنصها، ففيها الغنية بإذن الله.
قال حفظه الله: " بسمِ الله الرحمنِ الرحيم، الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ الله، وعلى آلِه وصحبهِ ومن والاه، وبعد؛
فإنّ دراسةَ كتبِ الفقهِ المالكي - على أيامِنا - كانت ثلاثةَ مستوياتٍ، ولعلّها لازالَت كذلكَ في بعضِ البلادِ:
- المرحلة الأولَى للمبتدئِ، كانت تبدأُ بقراءةِ الكتبِ الآتية:
متن الأخْضَري، ومَتن العشمَاويّة معَ حاشيةِ الصَّفْتِي عليه، وبعدها حاشية ميّارة لابنِ حَمدُون، وتنتهي برسالةِ ابن أبي زيدٍ وشروحِها.
- المرحلة الثانية؛ مرحلة الشرح الصغير للشيخ الدِّردير، وأحد شروح تحفةِ الحكام؛ كشرحِ التَّسُولي أو غيرِه.
- المرحلة الثالثة؛ مرحلة شروح مختصرِ الشيخ خليل وحواشيه.
وأسهلُ شروحِه عبارةً شرحُ الخَرَشِيّ، وأضبطها منهجًا الشرحُ الكبير، وهو الذي كان يدرسُ في كليات الشريعة، وفي الأزهرِ في المرحلة الجامعيةِ.
وأكثرُ شروحِ المختصرِ ربطًا لفروعِ المسائلِ بنصوصِ المدونةِ - مع تساهلٍ في نقلِها بالمعنى، يكونُ أحيانًا مُخِلا - المَوَّاق في التاجِ والإكليل.
ومن أحسنِ الحواشي تحريرًا للمسائلِ حاشيةُ البَنّانيّ على الزَّرْقانِي، وزاد الدَّسُوقي، في حاشيته على الشرحِ الكبيرِ، مع تحريرِ الأقوالِ التوسُّعَ والإيعابَ.
ومِن أجمعِ شروحِه - في كثرةِ النقولِ عن المحققينَ، وعن كتبِ الموثِّقينَ من فقهاءِ المذهب، وعن مصادرَ، الكثيرُ منها مفقودٌ - الحطّابُ، في المواضع التي يتعرضُ لها في شرحِه: مواهبُ الجليل على المختصَرِ.
وكتابُه - أي الحطّاب - الالتزاماتُ، مِن الكتب السابقةِ لعصرها؛ لما ضَمّنَ فيه المؤلف مِن حلولٍ لكثير من قضايا العصرِ، حتى كأنّه يعيش بينَنا.
وفي كلّ مرحلةٍ من المراحلِ الثلاث؛ ينبغِي لطالبِ العلم التنقلُ بينَ الحواشي المصنفة في كتبِ كل مرحلة، واقتناصُ الفوائد، فإنّ الدررَ في الطُّررِ، كمَا نبَّهَ مَن قبلنا.
وفي المرحلة الأولى والمتوسطةِ، ينبغِي الحرصُ على حفظ المتونِ؛ كما ينبَّه الطلّاب إلى كتبِ الفقهِ المالكيّ المعاصرة، التي سهَّلتْ عباراتِ الأقدمين، واعتنتْ بذكرِ الدليلِ، وتوضيحِ المسائل الغامضةِ، وتقديمِها بلُغة العصرِ؛ لتحبيبهم في هذا التخصص، الذي انصرفَ الطلابُ عنه، وقلَّ مَن يجيدُه، ولتَتفتَّحَ شهيتُهُم عندَ الانتقال للمرحلةِ الثالثةِ علَى الدليلِ، فيُقبلون عليه برغبة وتثبتٍ، وقدرةٍ على التمحيصِ والفهمِ.
وفي هذه المرحلة الثالثة، ينبغي على الطالب أن يُكثر المطالعةَ المتنوعةَ، في كتبِ الأمهات، ومصادر الدليل والاستنباط، والتعليل للأحكام والتأصيل، ككتبِ ابن عبدِ البرّ، وعلى رأسِها التمهيدُ، والاستذكارُ، وكتبِ ابن رشدٍ الجَدّ، وعلى رأسِها المقدّمات، والبيانُ والتحصيل، وكتب القاضي عبد الوهاب؛ الإشرافُ، والمعونةُ، وكشروحِ المالكية لكتبِ السنة، وما كتبوه في تفسير القرآن الكريم؛ كشرح الباجي والزّرقاني على المُوطّأ، وشروح البخاري، وعلى رأسِها شرحُ ابنِ بطال، وفتح الباري للحافظِ ابنِ حجر؛ لأن أكثرَ اعتمادِ الحافظ في الفتحِ في النقول على علماءِ المالكية، كابنِ التِّين، والداودِي، وابن بطال، والمهلَّب، والقاضي عِياض، مع الاستفادة مِن فوائدِ الفتح الموسوعية الجمّة، وإيفاداته الحديثيةِ والخلافية، المحرّرةِ لمواطِن النزاع.
فالكتابُ، على كبرِ حجمِه، محرّرُ العبارةِ، لا يكادُ يجدُ القارئُ فيه حشوًا، ولا تزيّدًا غيرَ محتاجٍ إليهِ.
وكشروحِ المالكية لصحيحِ مسلم؛ المُعلِم وإكمالاتُه للقاضي عياض والأُبّيّ، وكالعارضةِ على جامعِ الترمذيّ، للقاضي ابنِ العربي، وأحكام القرآنِ لهُ، وكالجامعِ لأحكامِ القرآن للقرطُبِي، فهو كاسمِه جَامعٌ!
كما لا تفوتُ الطالبَ في هذهِ المرحلةِ المطالعةُ في كتبِ الأمهاتِ، كالمدوّنةِ، والكتبِ التي جمعتِ الرواياتِ؛ كالنوادرِ والزياداتِ لابن أبي زيد، فإنّ إدمانَ الطالب على قراءةِ كتبِ الدليلِ والرواياتِ والتأصيلِ؛ تؤَصِّلُ له المسائلَ، وتوسعُ المداركَ، وتكسبُهُ الملَكَةَ، وتعزّزُ الثقةَ بالنفسِ، وتترقَّى بهِ إلى علم الخلافِ؛ ليكونَ له فيه قدمٌ، ليستفيدَ في نهاية المطافِ - فيما يَجِدّ مِن نوازلِ العصرِ - مِن كلّ كنوز الثروةِ الفقهيةِ الفذَّة، التي خلَّفها لنا الأسلافُ، فجزاهُم اللهُ تباركَ وتعالى عنِ الأمة خيرَ الجزاءِ.
- وفي الجانب الأصولِي، مِن المناسبِ في المرحلةِ الأولى قراءةُ بعضِ الرسائلِ الصغيرة؛ كشرح الحطّاب للورقاتِ.
وفي المرحلةِ المتوسطة يوصَى بدراسة بعض المذكّراتِ، التي تجمعُ بين الشمولِ والتأصيل وسهولةِ العبارة، مثل مذكرة الشيخ الشنقيطي، الموضّحة للمرَاقي.
وفي المرحلة الثالثة تُقرأُ الشروح المطولة، كنشرِ البنودِ على مَرَاقِي السّعود، وشرحِ تنقيح الفصولِ للشيخ حُلولو.
وكتابُ المنهاج في علم الأصول للبيضاوي وشروحُه، مِن الكتبِ الجامعة في الفنّ، وكذلك جمع الجوامع لابنِ السُّبكي وشروحه؛ لأن أصول الفقه للمذاهب الثلاثة غير الأحناف؛ منهجُها في القواعدِ الأصوليةِ واحدٌ، وخصوصيةُ كل مذهب في القواعد الأصوليةِ، تظهرُ من خلال الكتبِ التي اعتنت ببناءِ الفروع على الأصولِ، ككتاب الباجي فصول الأحكام، ومفتاح الوصول للشريف التِّلِمْسَاني، عند المالكية، وكتخريج الفروع على الأصول للزنجاني، عند الشافعية، وقد جمعتُ بعضًا من هذه القواعدِ عند المالكية، في رسالةٍ بعنوان: (مِن أصولِ الاجتهادِ عند المالكيةِ)، نُشرتْ مستقلةً، وجُعلتْ أيضًا مقدّمةً أُصوليةً لطبعةِ (مدونةُ الفقهِ المالكيّ وأدلَّته) الأخيرةِ، التي زِيدت في حواشِيها مقارنةُ المذاهبِ.
- أما كتب القواعد الفقهية، وهي من كتب المرحلة الثالثة؛ فعلى رأسِها فروقُ القرافي، وتهذيبُه لابنِ الشَّاط.
وكتبُ قواعد الفقه المالكي يغلبُ عليها الاختصارُ الشديدُ، الذي صيرَها كالرموزِ، فصعَّبَها على طلابِ العلم، وتحتاجُ إلى مَن يقومُ بخدمتِها وتوضيحِها؛ لتكونَ في المتناولِ، وأشملُها وأوعبُها قواعدُ المَقّري، وهو - كغيرِه مِن كتبِ القواعدِ عند المالكية - لكي تتم الاستفادةُ منه للطلاب، ويكون في متناولهم، محتاجٌ لمن يقومُ بتوضيحهِ، وشرحِ قواعدِه وتطبيقاتِها، على غرارِ العملِ الذي نشرتُه في: (تطبيقاتُ قواعد الفقهِ عند المالكيةِ، مِن خلالِ كِتابَيْ شرحِ المنهج المنتخبِ للمَنْجور، وإيضاحِ المسالكِ للوّنشَرِيسيّ)، وكتاب: (تطبيقاتُ قواعدِ الفقه المالكيّ مِن خلال شرحِ التَّسُوليّ على تحفةِ الحكام).
وبالجملةِ فإنّ قواعدَ الفقهِ الكثيرُ منها مشترَكٌ بينَ المذاهبِ؛ لذا يوجّهُ الطلابُ إلى أنْ يبدؤوا قراءَتها مِن كتبِ المذاهبِ الأخرى، غير المالكيةِ، كالأشباهِ والنظائرِ للسّيُوطِي، والأشباهِ والنظائرِ لابن نُجَيم؛ لأنها أسهلُ، وفي متناولِ الطلابِ.
واللهُ الهادِي إلى سواءِ السبيلِ".