الدرس الثالث من دروس شرح كتاب: نزهة النظر

الدرس الثالث من دروس شرح كتاب: نزهة النظر

الدرس الثالث من سلسلة دروس شرح كتاب: نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر لفضيلة الشيخ الدكتور نادر السنوسي العمراني رحمه الله تعالى نص الكتاب: من الصفحة 45 إلى الصفحة 51 وذلك من قوله: فائدةٌ: ذَكَرَ ابنُ الصَّلاحِ أَنَّ مِثالَ المُتواتِرِ عَلى التَّفسيرِ المُتَقَدِّمِ يَعِزُّ وُجودُهُ؛ إِلاَّ أَنْ يُدَّعَى ذلك في حَديثِ: «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ [مُتَعَمِّداً؛ فلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ. وما ادَّعَاهُ مِن العِزَّةِ مَمْنوعٌ، وكذا مَا ادَّعاهُ غيرُهُ مِن العَدَمِ؛ لأنَّ ذلك نَشَأَ عَنْ قِلَّةِ الاطِّلاعِ على كَثْرَةِ الطُّرُقِ، وأَحْوالِ الرِّجالِ، وصفاتِهِمُ المُقتَضِيَةِ {ص / 2 ب} لإِبعادِ العادَةِ أَنْ يَتَواطَؤوا عَلى كَذِبٍ، أو يَحْصُلَ منهُمُ اتِّفاقا. ومِن أَحْسَنَ مَا يُقَرَّرُ [بِهِ] كونُ المُتواتِرِ مَوجوداً وُجودَ كَثْرةٍ في الأَحاديثِ أَنَّ الكُتُبَ المشهورةَ المُتَداوَلَةَ بأَيدي أَهْلِ العِلْمِ شَرْقاً وغَرْباً المَقْطوعَ عِنْدَهُم بِصِحَّةِ نِسْبَتِها إلى مُصَنِّفيها، إذا اجْتَمَعَتْ على إِخراجِ حَديثٍ، وتعدَّدَتْ طُرُقُه تعدُّداً تُحيلُ العادةُ تواطُؤهُمْ على الكَذِبِ إِلى آخِرِ الشُّروطِ؛ أَفادَ العِلْمَ اليَقينيَّ بصحَّتِهِ إِلى قائِلِهِ. ومِثْلُ ذلك في الكُتُبِ المَشْهُورَةِ كثير. والثَّاني - {ن / 3 ب} {ظ / 4 ب} وهُو أَوَّلُ أقسام الآحادِ -: ما لَهُ طُرُقٌ مَحْصورةٌ {ب / 3 أ} بأَكثرَ مِن اثْنَيْنِ وهُو المَشْهورُ عندَ المُحَدِّثينَ: سُمِّيَ بذلك {هـ / 4 أ} لوُضوحِهِ، وهُوَ المُستفيضُ؛ عَلى رأْيِ جماعةٍ مِن أَئمَّةِ الفُقهاءِ، [سُمِّيَ بذلك لانْتشارِهِ، [و] مِنْ فاضَ الماءُ يَفيضُ فيضاً. ومِنْهُم مَن غَايَرَ بينَ المُسْتَفيضِ والمَشْهورِ؛ بأَنَّ المُسْتَفيضَ يكونُ في ابْتِدائِهِ {أ / 4 أ} وانْتِهائِهِ سَواءً]، والمَشْهورَ أَعَمُّ مِنْ ذلكَ. ومنهُمْ مَن غايَرَ على كيفيَّةٍ أُخْرى، وليسَ مِن مَباحِثِ هذا الفَنِّ. ثمَّ المَشْهورُ يُطْلَقُ على مَا حُرِّرَ هُنا وعلى ما اشْتُهِرَ على الألْسِنةِ، فيشْمَلُ ما لَهُ إِسنادٌ واحِدٌ فصاعِداً، بل [ما] لا يوجَدُ لهُ إِسنادٌ أَصْلاً. والثَّالِثُ: العَزيزُ وهُو: أَنْ لا يَرْويَهُ أَقَلُّ مِن اثْنَيْنِ عنِ اثْنَيْنِ، وسُمِّيَ بذلك إِمَّا لِقِلَّةِ وُجودِهِ، [وإِمَّا ] لكونِهِ عَزَّ - أَي: قَوِيَ - بمَجيئِهِ مِن طَريقٍ أُخْرى . ولَيْسَ شَرْطاً للصَّحيحِ؛ خِلافاً لمَنْ زعَمَهُ، وهو أَبو عَليٍّ الجُبَّائيُّ مِن المُعْتزلةِ، وإِليهِ يُومِئُ كلامُ الحاكِمِ أَبي عبد اللهِ في «علومِ الحديثِ» [حيثُ] قال: الصَّحيحُ أَنْ يَرْوِيَهُ الصَّحابِيُّ الزَّائِلُ عنهُ اسمُ الجَهالةِ؛ بأَنْ يكونَ لهُ راوِيانِ، ثمَّ يتداوَلَهُ {ظ / 5 أ} أَهلُ الحَديثِ إِلى وَقْتِنِا كالشَّهادَةِ [عَلى الشَّهادَةِ {ط / 3 أ} وصَرَّحَ القاضي أَبو بَكْرٍ بنُ العربيِّ في «شَرْحِ البُخاريّ» بأَنَّ ذلك شَرْطُ البُخاريِّ، وأَجاب عمَّا أُورِدَ عليهِ مِنْ ذلك بِجوابٍ فيهِ نَظرٌ؛ لأَنَّهُ قال: فإِنْ قيلَ: حديثُ « «إنما» الأعْمَالُ بالنِّيَّاتِ» فَرْدٌ؛ لم يَرْوِهِ عَنْ عُمرَ إِلاَّ عَلْقَمَةُ! قالَ : {هـ / 4 ب} قُلْنا: [قَدْ] خَطَبَ بِهِ عُمَرُ [رضيَ اللهُ عنهُ] عَلى المِنْبَرِ بحَضْرةِ الصَّحابَةِ، فلولا أَنَّهُمْ يَعْرِفونَهُ لأنْكروهُ! كذا قالَ! وتُعُقِّبَ «عليه» بأَنَّهُ لا يَلْزَمُ مِنْ {ص / 3 أ} كَوْنِهِم سَكَتُوا عنهُ أَنْ {ن / 4 أ} يَكُونوا سَمِعوهُ مِنْ غَيْرِهِ، وبأَنَّ هذا لو سُلِّمَ في عُمَرَ مُنِعَ في تَفَرُّدِ عَلْقَمَةَ [عنهُ]، ثمَّ تَفَرُّدِ مُحَمَّدِ بنِ إِبْراهيمَ بِه عَنْ عَلْقَمَةَ، ثُمَّ تَفَرُّدِ يَحْيَى بنِ سَعيدٍ بهِ عَنْ مُحَمَّدٍ؛ {أ / 4 ب} عَلى ما هُو الصَّحيحُ المُعْروفُ عِنْدَ المُحَدِّثينَ. وقَدْ وَرَدَتْ لُهْم مُتابعاتٌ لا يُعْتَبَرُ بِها [لِضَعْفِها]. وكَذا لا نُسَلِّمُ جَوابَهُ في غَيْرِ حَديثِ عُمَرَ [رضيَ اللهُ عنهُ] . قالَ ابنُ رُشَيْدٍ: {ب / 3 ب} ولَقَدْ كانَ يَكْفي القاضيَ في بُطْلانِ ما ادَّعَى أَنَّهُ شَرْطُ البُخاريِّ أَوَّلُ حَديثٍ مَذكورٍ فيهِ. وادَّعَى ابنُ حِبَّانَ نقيضَ دَعْواهُ، فقالَ: إِنَّ رِوايَةَ اثنَيْنِ عَنِ اثنَيْنِ إِلى أَنْ يَنْتَهِيَ لا تُوجَدُ أَصْلاً. قُلْتُ: {ظ / 5 ب} إِنْ أرادَ [[بهِ] أَنَّ] رِوايَةَ اثْنَيْنِ فَقَطْ عَنِ اثْنَيْنِ فَقَطْ لا تُوجَدُ [أَصْلاً] ؛ فيُمْكِنُ أَنْ يُسَلَّمَ، وأَمَّا صُورَةُ العَزيزِ الَّتي حَرَّرْناها فمَوْجودَةٌ بأَنْ لا يَرْوِيَهُ أَقَلُّ مِن اثْنَيْنِ عَنْ أَقَلَّ مِنَ اثْنَيْنِ. مثالُهُ: ما رَواهُ الشَّيْخانِ مِن حَديثِ أَنَسٍ، والبُخاريُّ مِن حديثِ أَبي هُرَيْرَةَ «رضيَ اللهُ عنهُ»: أَنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قالَ: «لا يُؤمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِليهِ مِنْ والدِهِ وولَدِهِ ... » الحديث. [و] رواهُ عَنْ أَنَسٍ: قَتادَةُ وعبدُ العزيزِ بنُ صُهَيْبٍ، ورواهُ عَنْ قتادَةَ: شُعْبَةُ وسعيدٌ، ورواهُ [عَنْ] عبدِ العزيزِ: إِسماعيلُ بنُ عُلَيَّةَ وعبدُ الوارِثِ، ورواهُ عن كُلٍّ جَماعةٌ. والرَّابِعُ: الغَريبُ {هـ / 5 أ} وهُو: ما يَتَفَرَّدُ بِروايَتِهِ شَخْصٌ واحِدٌ في أَيِّ مَوْضِعٍ وَقَعَ التَّفَرُّدُ بِهِ مِنَ السَّنَدِ عَلى مَا سَيُقْسَمُ إِليهِ الغَريبُ المُطْلَقُ والغَريبُ النِّسبيُّ. وكُلُّها أي: الأقسامُ الأرْبَعَةُ [المَذْكورةُ] سوى الأوَّلِ، وهو المُتواتِرُ آحادٌ، ويُقالُ لكُلٍّ منها: خَبَرُ واحِدٍ. وخَبَرُ الواحِدِ في اللُّغَةِ: ما يَرويهِ {أ / 5 أ} شَخْصٌ {ن / 4 ب} واحِدٌ، وفي الاصطِلاحِ: ما لَمْ يَجْمَعْ {ظ / 6 أ} شُروط المُتواتِرِ. وفيها؛ أي: [في] الآحَادِ : المَقْبولُ وهو: ما يَجِبُ العَمَلُ بِهِ عِنْدَ الجُمْهورِ. وَفيها المَرْدُودُ، وهُو [الَّذي] لَمْ يَتَرَجَّحْ صِدْقُ {ط / 3 ب} المُخْبِرُ بِهِ؛ لتوقُّفِ الاستدلالِ بها عَلى البَحْثِ عَنْ أحوالِ رواتِها، دُونَ الأوَّلِ، وهو المُتواتِرُ. فكُلُّهُ مَقْبولٌ لإِفادَتِهِ القَطْعَ بِصِدْقِ {ص / 3 ب} مُخْبِرِهِ بِخلافِ غَيْرِهِ مِنْ أَخبارِ الآحادِ. لكنْ؛ إِنَّما وَجَبَ العَمَلُ بالمَقْبولِ مِنها، لأَنَّها إِمَّا أَنْ يُوْجَدَ فيها أَصلُ صِفَةِ القَبولِ - وهُو ثُبوتُ صِدْقِ النَّاقِلِ -، أَوْ أَصلُ صِفَةِ الرَّدِّ - وهُو ثُبوتُ كَذِبِ النَّاقِلِ - أَوْ لاَ: فالأوَّلُ: يَغْلِبُ {ب / 4 أ} على الظَّنِّ [ثُبوتُ] «به» صِدْقِ الخَبَرِ لِثُبوتِ صِدْقِ ناقِلِهِ فيُؤخَذُ بِهِ. والثَّانِي: يَغْلِبُ على الظَّنِّ «به» كَذِبُ الخَبَرِ لِثُبوتِ كَذِبِ ناقِلِهِ فيُطْرَحُ. والثَّالِثُ: إِنْ وُجِدَتْ قرينَةٌ تُلْحِقُهُ بأَحَدِ القِسْمَيْنِ الْتَحَقَ، وإِلاَّ فَيُتَوَقَّفُ فيهِ، وإِذا تُوُقِّفَ عَنِ العَمَلِ بهِ صارَ كالمَرْدودِ، لا لِثُبوتِ [صِفَةِ] الرَّدِّ، بل لكَوْنِه لمْ تُوجَدْ «به» فيهِ صفةٌ توجِبُ < القَبولَ، واللهُ أعلمُ.

معلومات عن المادة

  • الزمن:1:05:37
  • القسم:علوم الحديث
    • وسوم:
    • نادر العمراني
    • نزهة النظر